بسم الله الرحمن الرحيم
يعد قصر الأمير عبد القادر الجزائري واحداً من الأبنية التي انتشرت في القرن التاسع عشر مثل مشفى رضا سعيد والثكنة الحميدية حيث يتميز هذا النوع من البناء غالباً بالبساطة في الحلول المعمارية والكلاسيكية الرومنتيكية في معالجة الواجهات. ويسمى هذا النمط بالألماني العثماني نسبة إلى العصر الذي ظهر فيه وللبساطة والسمات الغربية التي تميزت بها.
دمشق
يعد هذا القصر من أبنية الاصطياف والاستجمام التي سادت في تلك الفترة حيث يطل من الجهة الغربية على نهر بردى طريق بيروت وسكة الحديد ويحد القصر من الشرق نهر يزيد ويتم الوصول إلى الموقع من المدخل الجنوبي الشرقي بمنسوب منخفض حيث يتم الصعود بواسطة درج حجري حتى الوصول إلى المنسوب المرتفع حيث يقوم القصر.
بساطة العمارة:
يتكون القصر من طابقين وهي سمة ميزت الأبنية في تلك الفترة ويلاحظ استخدام المسقط المكرر في الطابقين والمسقط البسيط المتناظر على جانبي فراغ مركزي داخلي والفراغات المحيطة حيث يدعى الفراغ المركزي بالصوفا.
والطابق الأرضي يتألف من فراغ مركزي تحيط به أربع فراغات ومن كل جانب بتصميم متماثل والفراغ المركزي مضلع الشكل يقع المدخل على محوره ويقابله من الجهة الشرقية الدرج المؤدي إلى الطابق الأول الذي يماثل الطابق الأرضي من حيث الفراغ المركزي والفراغات المحيطة مع وجود درج خشبي في الغرفة الأولى من الجهة الشمالية الشرقية ويؤدي إلى السطح حيث يوجد فراغ خشبي مثمن الشكل يعلو السطح وفي الجهة الغربية يوجد باب يؤدي إلى شرفة صغيرة.
وفي ما يتعلق بالواجهات يلاحظ التناظر الواضح على جانبي الدخول الوسطي ذي المعالجة اللطيفة فيعلو باب الدخول ذا الإطار الحجري والزخارف البسيطة شرفة تزينية تعكس ناحية جمالية وتفيد في تأمين تظليل بسيط ومركزية لعملية الدخول وعلى جانبي المدخل تتوزع النوافذ القوسية تارة والمستطيلة تارة أخرى وفق موديل مكرر على كلا الطابقين.
وتحيط بالنوافذ الإطارات الحجرية وتكسو زوايا المبنى المختلفة قطع حجرية كبيرة تميز النمط الذي ينتمي إليه المبنى ويلحظ استخدام الكورنيش الحجري بالبناء على مستوى البلاطتين فنظام الفتحات معبر عن نظام ساد في تلك الفترة.
وعلى الواجهة الشرقية يوجد شكل مميز لدرج حجري يعطي للدخول أبهة وفخامة وبمقارنة هذا الدرج مع أدراج مشابهة له في أبنية تنتمي لنفس الفترة يمكن التصور أن هذا الدرج كان يحتوي على عنصر مائي في منتصفه.
ويتميز القصر بوجود أدراج حجرية تستخدم للتنقل بشكل رئيسي والدرابزينات الخشبية والمعدنية ذات الزخارف النباتية وتتنوع الأدراج في القصر بين الطابقين حيث يكون حجرياً في الطابق السفلي ويتحول إلى خشبي في الجزء العلوي منه.
أما الأسقف فتتميز بالتنوع في مواد البناء المستخدمة في السقف الواحد وبين الطوابق، فسقف الطابق الأرضي عبارة عن جوائز معدنية المسافة بين كل جائزين 60سم تملأ بقطع من الأجر المركبة بشكل قوسي قليل التحدب وقد تمت تغطيتها من الأسفل بطبقة كلسية بيضاء تركب عليها جوائز خشبية تشكل قواعد للرفوف الخشبية التي تغطيها أما السقف النهائي فهو مؤلف من مورينات وجوائز خشبية تنوعت بين مائلة ومستوية لتعلوها الجملة الجملونية.
ومواد البناء المستخدمة خليط من المتناقضات جمعت بين مواد تقليدية (حجر وخشب) ومواد حديثة نسبياً (آجر ناري) ومواد حديثة المعدن المستخدم بشكل “ibeam”.
والجدران حجرية في الطابق الأرضي بينما جميع الجدران الداخلية الفاصلة هي من الآجر الناري والجملة الإنشائية في الطابق الأول كلها مؤلفة من الآجر.
ترميم أم تشويه؟:
في مرحلة الترميم التي خضع لها القصر تم طرح عدة اقتراحات ومنها تحويل الطابق الأرضي إلى صالة للإنترنت ومعرض يخص الأمير عبد القادر الجزائري يعرض فيه كل ما له علاقة بحياة الأمير في دمشق.
وفي ما يتعلق بترميم القصر تم استخدام ألوان متعددة تعطي طابعاً جديداً للمبنى تكون بعيدة إلى حد ما عن الإكساءات الأصلية للمبنى وتمت المحافظة على التبليطات الأصلية في الطابقين الأرضي والأول أما السطح فتم استبدال الكلسة بالسيراميك.
وتمت إعادة ترميم الأسقف بشكل يطابق الجملة الإنشائية القديمة المؤلفة من المعدن والخشب والأسقف القرميدية وتم استبدال القطع القديمة بجديدة مشابهة للقديمة. وبخصوص الأدراج تم الحفاظ على الدرج الحجري المؤدي إلى الطابق الأرضي من الواجهة الشرقية وتم إدراج درج خشبي جديد في الطابق الأول يربطه مع السطح وأعيد بناء الأجزاء المفقودة من الدرج الخارجي.
وفي ما يتعلق بالغرفة ذات السطح الجملوني الموجودة على السطح فتم الإبقاء على بعض عناصر الهيكل الخشبي الخاص بالجملون واستبدلت الجدران الخشبية بجدران جديدة من المادة نفسها واستخدمت إكساءات جديدة للنوافذ والأبواب أعطتها صورة مختلفة بعض الشيء عن القديمة.
لمحة تاريخية عن حياة الأمير
هو عبد القادر بن الأمير محيي الدين الحسيني ولد بقرية القيطنة بوادي الحمام من منطقة وهران بالجزائر.
جاهد ضد الفرنسيين وخاض العديد من المعارك ضدهم إلى أن هزم ونفي إلى فرنسا حيث بقي 3 سنوات في الأسر إلى أن عفا عنه نابليون الثالث وأكرمه وطلب منه البقاء في فرنسا. واختار الأمير العودة إلى الشرق ورحل إلى اسطنبول ثم استقر به المقام في دمشق عام 1856 وفيها حاز على مكانة بين الوجهاء والعلماء. وافته المنية بدمشق في منتصف ليلة 24 مايو/ أيار 1883 عن عمر يناهز 76 عاماً دفن بجوار الشيخ ابن عربي في الصالحية